الثلاثاء، 27 يوليو 2010

غربة

امعنت النظر في كثير من الأماكن التي فقدت قيمتها
وتعاركت مع نفسي في تجاويف عتيقة بين حاضري ومحتواي
وتنهدت خلسة بين الليل والفجر وخيوط الوصل التي تلفني بحكمتها
محاولا ايجاد نفسي في هذا العالم الغريب الذي تمرد على كل شيئ
حتى صار غربة تسكنها غربة
ولا شيئ يوقظني
او حتى يعلٍّمني حِرفية اللغة الجديدة للعالم الجديد الذي انتقل اليه مع غبار
الحرب التي اخذت معها كل ما لدي
وبعد ان تلفت دموعي واجهد الوقت ملامحي
تخثرت االدماء في حلقي
وباتت تقتل الموت الباقي في احشائي وتستبدله بموت جديد اكثر هيبة واشد فتكا
اما انا فلست انا ... شيئ غريب يأخذ مكاني كما تأخذ الأخيلة حيزها في فراغ مجهول
ولا وقت للعودة في لحظة يقتل فيها عقرب الوقت , العقرب الذي يليه
ولو سألتني على ما عزمت ؟؟؟؟
لأجبت بالسكوت !!!!
فهو الاجابة الاكثر وضوحا عندما يفقد اللسان القدرة على مجاراة الحروف
وها انا اعجز عن صمتي بصمت آخر ,,, أشبه بأطراف الرجل المهاجر لحظة الغروب
وقد عزمت على الرحيل
رحيل فصّلته لي الدنيا بمقياس مدروس
وفق العقل والمنطق
فركبت نفسي بعد ان توارت روحي خلف المعالم الرمادية التي تربيت على اطلالتها
وحملت كثيررررا من ذاتي وتركت ما تبقى
كي يفترسه النسيان
فإن للنسيان حق عليّ ...
نعم تركت غبار الطفولة المجبول بالبراءة
وهموم المراهقة الأرجوانية في سهري الخالي
وثورة الشباب التي رسمت بها اول ذكرياتي
ونويت الرحيل ....
وها انا اقف على كل الماضي دفعة واحدة اجمع معه هول المسألة
واحاول استيعاب هذه المصيبة التي تحمل في احشائها شفاءً محدود
أوااااه يا قدري ويا وجعي
أوااااه يا نفسي ... هل سيصبح كل هذا ضبابا خاملا في سمائي
وسلـَِّماً لا عتبات له امام صعودي الى احلامي
اشعر بضيق يزلزل اركاني يهز تضاريسي
يوقذني من نوم جميل وحلم جميل كنت احفظه في حضن امي
وألم في أسفل كياني يشدني الى الوقوع بصمت امام قراري
وحرارة قاسية تغلف جدران معدتي كأنه الموت المفاجئ لحظة الميلاد
لكني احمل نفسي خجلا امام نفسي
وأشد على اقدامي لأستمد شيئا من القوة الزائفة امام جَلَدِيَ الباقي
اشعر بدوامة تأخذني لعالم غريب
تسكنه الرهبة الموحشة
وتغطيه الوهمية بستار لا صوت له ولا لون
اين انا ؟؟؟
سؤال ساذج امام تفاصيل الحياة التي اقود زمامها
ولا اجابة هذه المرة امام رحيلي الى غربة روحي
فما أصعب ان تقف امام مرآتك التي اعتدت على النظر اليها
ولكن هذه المرة يقابلك شخصا اخر عليها
له لون اخر وملامح اخرى عليها شمولية النقيض
ها انت تحكي ولا يقابلك حركة لشفاه كانت تتحرك بحرارة الشمس
وها انت تتلاعب بتفاصيل وجهك باللحظة التي يقابلك بها تمثال ابكم لا يعي ولا يتكلم
ولو لفت النظر الى جدرانك المليئة بالخربشات والصور المهترئة من ماضيك الجميل
لوجدتها بلا شيئ ... كأنك اتلفتها بنفس اللحظة
ولو نزلت ادراجك الى الطابق السفلي لما وجدت حقيقتك المعلقة على مدخل هذه الجلسة
لقد تقلصت هذه الحقيقة حتى بدت كأنها اطار لما خلفها من فراغ
ولو اغمضت عينيك وسط بيتك !!! هذا البيت الذي تربت فيه نفسك وترعرعت فيه اجزائك وعواطفك
لو اغمضت عينيك لتشتم رائحة المكان لوجدتها بلا رائحة
فلا شيئ سوى رائحة الطلاء الجديد
وبعض من اللاشيئ ... وغربة جديدة
ولو صحوت بين نفسك ونفسك فجأة محاولا المثول امام محكمة الواقع العادلة
لوجدت هول الظلم والخيانة لبعضك وكلك

وحتى لو جازفت وصرخت فلن تسمع سوى صوت نحيب الماضي الهارب منك نحوك
والشارد عنك اليك

ولو تكلمت بصدق ونفضت جسدك لوجدت انك لست هنا ...
لأنك هناك وما يملأ مكانك اليوم هو مكانك الماضي

وما عليك الا ان تصحو من غربة الروح التي ادْمَنْتَ على رائحة صبحها ومسائها
تريث قليلا وخذ نفسا عميقا ولا تستغرب مما هو حولك
فالاحداث تقتل بعضها عندما يموت الحب بسيف الكرامة
وتنتهي الاحلام بصحوة الواقع المر الذي هاجمك فجأة

فالموت هول امام الحياة وكلاهما مر امام فراق من نحب
لأن الحب عيون ترى ما لا تراه العيون
وفؤاد يحس ما لا تحسه الافئدة
وروح لا تموت
المكان بعيد
ابي
امي
اخوتي
احبتي
اموت اليوم قديسا امام رهبة الحياة
وعبدا امام عواطفي
وما اجمل العبودية التي تحمل حرية مجهولة المعالم في أرض ليست على سطح المجرة
وما ازكى رائحة التراب عندما تنمو الارض في حضن نفسها
يا إالهي اشعر بجسدي يشتاق الى غربة ابعد
اشعر بدفئ يتسرب الى معدتي فتخر قواي
والمس شيئا من الهواء الطليق الهارب من قيود الدنيا
كأنه يقترب مني ويقول :
يا ايتها الدنيا ويا ايتها الفصول
كم انا قاس على نفسي في لحظة اشد ما اكون بها الى الحنان
وكم انا ثورة امام سلام الجبناء
وقصة في ارواحهم لن تموت ابدا

فلينكروا وجودي كيفما شاؤو
وليحاولو نسيان ملامحي الزئبقية
ولينثروني طحينا في بساتين الضياع

ولن اطلب الحب ابدا لأني قبل كل هذا امنت بنفسي وبأن الحب
ارواح متقابلة وليست ارواحا تتقاسم اللحظات حينا وحينا

ايها المارون فوق حروفي
اللاهثين وراء دراما الكلمة
العابثين بلغة الحب والمشاعر
السابحين في عولمة الاحاسيس
تفننو كيفما شئتم وبكل ما شئتم
فالفن سيلعنكم يوما امام جمع المتذوقين للغة الفن
وفتتو محيطكم كيفما شئتم فالارض ستبني فوق اجسادكم مقبرة لمن يخلفكم
وانا سأبقى حيث انا اربي غربتي ,,,
هذه الطفلة الصغيرة
ويكفيني منها انها مؤلمة وآلامها تعيد لروحي جسدا نديا مبللا بالحب
ويكفيني انها صادقة تعلمني كيف اشتاق وكيف احب ومتى افعل هذا
واعلموا ان ما اتركه خلفي من حكمة ومعرفة
كفيل ان يضمد جرحي النازف من كبريائكم
لأني سعيد سعادة تغمر الارض رياحين ملونة
وسعادة خلفتها دموع صدقي وولائي لنفسي قبل ولائي لسعة المشاعر
التي تناقلتموها بعرباتكم وبعتم اجزائها بأسواقكم المغبرة

ستتنهد الارض فتلد فيلسوفا
وتصرخ السماء فتمطر عالما
وتحترق الشمس فتلد حكيما
وتجمع الغربة اجزائي لتجعل مني
فيلسوفا في محبتي لمن حولي
وعالما بتضاريس وجودي وصومعة حياتي
وحكيما بلغتي ووطني وعقيدتي بمن احب

سأقف لآن لأن شيئا ما في داخلي يموت وسأبدأ مراسم الغياب معه
وسأعود لأكمل لكم غربتي التي تحمل في طياتها لغة اكبر مما كتبت
ومعان اشمل لما وضعتْ
وتراتيل اعظم لما هو آت من تصرفات البشر الحمقاء
سأحكي بلغة الغربة انات المسافرين في مراكب المجهول
وسأمتطي خيول طروادة قاصدا جبال الشرق الثرية بالفقد والهجران
وسآخذ بعضا مني وبعضا مني
فانتظروني حينما يسقط المطر ولا تخافو انتظاري
لأقول لكم ان من نتوقع ان لا نحبهم لا ننساهم ابدا

كم جميل ان نترك فاصلة مبهمة لنأخذ بعض الانفاس
ونبتلع بعض مرار اللعاب الذي تلوثت به افواهنا
ثم نأخذ رشفة من الماء الداكن ... فلقد اخذ الماء ايضا لونا يشبه لوني وطعما اقرب ما يكون الي
ثم اغمض عيني عن الوجود محاولا زرع ما يجول في اوردتي التالفة هنا
ورائحة دمي الشاهد على حياتي
الواثق مني وثوق نفسي بنفسي
اعجب منك يا أنا ,,,
عندما أراك تكتب سطورك الفارغة وحروفك الفارغة وانا أعلم انها ستنتهي
مع انتهاء اول فصل لشتاء قادم
تنتهي كما تنتهي الدموع لحظة الموت
وتزول كما تزول الرياحين عندما تهب العاصفة
وتتلاشى كما الغبار لحظة الليل والنهار
واسخر منك يا أنا
اجدك ساذجا امام جبل من القدرة
عاجزا امام عظمة المستحيل
وانت الى لآن تحاول ان تلبس ثوبك الاسود وتحمل حقيبتك المملة وتتجه حيث الغروب
الى أين ؟؟؟؟؟
الى أين ؟؟؟؟
قل لي بحق صلتي بك وتغلغلي بأحشائك
الى أين
أي أرض ستحوي ما تحمله من اوجاع
وأي وطن سيقبل بك مواطنا متمردا على كل السنين
واي دهر سيحويك جائعا متشردا تتوق للقاء الاخرة وانت تحمل قيد الحياة
دعني ابكي ارجوك ,,, أبكي على هذا الدمار الذي يفتتنا ولا أحد حولنا
واليأس الذي يقتسم ظهورنا كما لو كان صاحب ثأر منّا
ماذا فعلنا لنكون على حافة الطريق منذ الميلاد
ماذا اقترفنا لنبكي وحدنا دما عاقدا حاقدا ساخنا

يا ايتها الصدفة ,,, لم يعد لدي غيرك لآن

فلا ماضٍ
ولا حاضر
ولا مستقبل
امام ما آلت اليه روحي

لم يعد لدي غيرك والملكية لآن ليست مطلقة
بل ان لك ايضا حق الرحيل عن عالمي المتسخ بالالام
ولكني ارجوك باللحظة الذي لم ارجوا بها مخلوق بعد
ان تجمعيني مرة واحدة بشيئ من الحب
فهو وحده الذي ما زال عالقا في سمائي
بعد ان هاجرت الغربان موطني وأقسمت ان لا تعود
لأبقى بلا سماء

اجمعيني مرة ببركان يحرقني فأصرخ من المي شوقا قبل ان اموت مللاً
ولا تقسي علي اكثر من هذا

فأنا منذ اللحظة وريث الضياع الضاحك امام مشنقة الحياة
انا اللاشيئ المجبول بالسكر لحظة الانكسار
دعيني اشدو ما أشاء فإن هذا كل ما اطلب
لأني بين فتات الاشياء اجالسس قبري لأكتب قصة النهاية
بين الغربة والغربة
وما بينهما لا تستطيع الشمس ان تحصيه
فكيف تحصي كونا ما هي الا حلقة صغيرة بين محتوياته
لا تموت الزهزر يا صديقة ... فإن بالغد القادم زهورا اخرى
لها ذاك البريق المنشود
والرائحة المسكيّة السلسة
لن يموت الحب يوما
لأنه خالد خلود الحياة
وباق بقاء المجرة

سأذهب بسكون الهالة البيضاء على ما تبقى من ذكريات تلحفت بفستان عرسك الابيض
سأغيب كأني لم اخلق ... لم أوجد ... لم احيا
سأتلاشى بلا معنى لتبقى حياتك بعدي قصة خرافية بعيدة عن الهم والألم
لأقصد المشوار الذي تمنينا ان نخطوه معا
هو ذاك المشوار بحد ذاته وامتيازاته بكل خرافاته
لكن هذه المرة أخطوه وحدي ... والوحدة انتي
البس معه معطفي والمعطف أنتي
واقصد تلك الطرق الملتوية في سطوح السهل والسهل انتي

أرجوك لا تتذكريني حتى لا يتعب قلبك اللطيف الذي لم يعتد يوما على التعب
لا تتذكريني حتى لا تسيل دموعك الثمينة فأغرق بتيارها المؤلم
وأعدك بأن أظل قابعا ما بين ارتباك الحلم وثبات الحقيقة
الحقيقة التي تشطرني نصفين
نصفي لا يعرف نصفي
فتسقط بين رياحين الماضي كل ملامحي
لأحال رجلا حياديا لا يتقن سوى لغة ثملى بك ...
لغة يسكنها وجعا شرقي الملامح ..
وجعا يمعن نزف وريدي بكل تفاصيله المتحركة
لأحيك له قصائدي الطلمسية عله ينام
فهل ينام الوجه مثلي عند المنام ...؟

ما زلت أسمع دبيب أقدام الغربة ..
تقتحم عتبات القلب الموجوع ..
أتسمر هناك...على كرسي الإنتظار
أتدرب على صنع قبلة بريئة مشاكسة
قبلة حفظت تراتيل الاستغفار فاستعففت ..!!
وصارت حيرتها مثقوبة
تسيل من ثقوبها كلمات الخوف المشوب باليقين
لتنبت بداخلي القصائد المخضبة بلوعة القلب
فتفقد معانيها المرهونة بالغربة
وتصير ابتسامة موؤدة ..على شفاه ترتجف
فهل شفاهك ترتجف كشفاهي..؟

كم مرة حاولت أن ألغي بيني وبينك بؤس المسافات
تلك ..المغزولة بخيوط الليل والنهار ؟
كالهارب ألوذ.. تحت جسر يعج بمارين ..
لم أر فيه سوى ملامحكِ الهلامية التي أقطفها من وجوههم
لأخزنها بذاكرة الروح..
لائذاًَ.. على أطراف أرصفة الأوقات الخالية إلا منكِ..
أحمل وجه بائعة الكبريت .. التي لا تراوح مكانها أرتجف تحت ظلال الشمس الحارقة ..
التي لم تفعمني إلا بالبرد ..
أرتشف هناك أكواب الشاي الموشومة ببصماتك.. وأقضم أرغفة الساعات الثقيلة..
لتسد رمق جوع انتظاري
أنتظر بريبة... امرأة ..
ترفض أن تتخفى لأغراضٍ عاطفية
ما عساي ان أفعل ؟
ما عساي ان أفعل ؟
وأنا ..الموغل في غابات نفسك
أعتلي شموخَ صفصافاتكِي الشامخة
أتَصاحبُ مع النوارس الساكتةَ فيك
النائمةَ على أغصانِك الحنونة
فهي مثلي..باقية هناك..
تستبسلُ..وتسكنها هواجس الولاء ..والتتشبث فيك

وانا أعلم ان انتظارك على عتبات هذه الحروف قد طال
ولكنك غبية غباء الاطفال المجانين
ألم تدركي حتى هذه اللحظة لما طلبت منك القدوم الى هنا
اوهل يصح بأن تظل فتاة جميلة مثلكي بين القبور
احضرتك بدافع الشوق الذي مزقني لحظة غيابك
احضرتك لأقول لك ان ما تجلسين عليه لآن هو قبري
وأن الانفاس التي تشتمين رائحتها اشتمها مثلك
وأن الاوراق الخريفية المتناقلة بين اهدابك تدغدغ دموعي
...........
كنت اتمنى ان تطول الكلمات اكثر لأظل قريبا منكِ اكثر
لكنها حبكة الغربة وقصة الغياب
اتلوها من جديد بوصية اتركها لكِ لآن على قبري البارد

ولا تبكي ولا تستغربي ... فلم تعد الحياة تعنيلي شيئا
وإنما جئت بك الى هنا لأخذ منك وعد الحياة والبقاء
وعدا أراهن عليه كل الاموات من حولي ... وكل المشتاقين الى احبة رحلوا عنهم كما رحلتي عني
دعيني اسمع كل سنة خبرا ... كل عيد او كل خريف
ارجوك رجاء تموت بعده كل الحياة ورجاءا لا رجاء بعده في رحلة الموت
كوني طيبة جميلة حنونة ولا تموتي في الحياة قبل ان تحيا بك الحياة وتكبر
اما انا فقصتي مع الغربة لم تنته بعد والمشوار الطويل سيكتب مزيدا من الذكريات

برهان يونس...
( غربة (خريف الامنيات

ليست هناك تعليقات: